تولي الصالح نجم الدين الأيوبي حكم مصر
تولي العادل الثاني سيف الدين أبو بكر حكم مصر بعد وفاة ابيه السلطان الكامل سنة 1239 م / 635 هج مما أدي إلي أن يسعي أخوه الأكبر سناً الصالح نجم الدين أيوب لاستعادة حقه في تولي السلطنة، وواتته الفرصة نتيجة سياسة أخيه التي أثارت مشاعر الأمراء عليه فقبضوا عليه و استدعوا الصالح نجم الدين أيوب الذي اصبح سلطاناً علي مصر عام 637 هج / 1240 م.
واجه السلطان الصالح ثورات بعض طوائف الجند فبدأ في تكوين جيش جديد يخلص له و يطيعه فاشتري آلاف المماليك و الأتراك الذين هجروا أوطانهم في آسيا الصغري بسبب غارات المغول و اتخذ الصالح أيوب منهم جيشاً منظماً. و يتضح من هذا أن السلطان الصالح لم يتعلم من العباسيين الذي فعلوا نفس الشئ و اخذوا من العبيد جيوشاً و قواداً، و انتهي الأمر بهم أن أصبح الخلفاء العباسيين تحت رحمة هؤلاء القواد و أصبحوا مجرد واجهة للخلافة دون سلطة حقيقية.
من أبرز آثار الملك الصالح في مصر قلعة الروضة التي أقام فيها مع مماليكه و تزوج من جارية أرمنية هي شجر الدر كان الخليفة العباسي قد أهداها له و أنجبت له ابنه الخليل.
استعادة القدس للمرة الثانية من الصليبيين
وجد السلطان الصالح أيوب نفسه مهدداً بحلف صليبي مع أمراء دمشق ، الصالح اسماعيل، و الكرك الناصر داود، و حمص المنصور ابراهيم. فقرر تحطيم هذا الحلف قبل أن يهاجمه فسار بجيشه و استولي علي دمشق ثم سار إلي القدس و استعادها من الصليبيين سنة 1244 م / 640 هج.
هزيمة الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع
قامت حملة صليبية جديدة تستهدف مصر ، و كانت أشرس و أعنف من الحملة الأولي علي دمياط ، و كان علي رأسها ملك فرنسا لويس التاسع الذي كان معروفاً بتدينه و تعصبه. و لقد نذر لويس نفسه للموت في سبيل دينه .
و علم السلطان الصالح أيوب بأن الصليبيين يحتشدون في قبرص، و قدر أنهم سينزلون دمياط كما فعل اسلافهم ، فحشد جيشه تجاه المدينة و قرر أن يحارب حرباً لاهوادة فيها.
كان الصالح أيوب نقيض أبيه الملك الكامل ، كان شجاعاً جريئاً ، و كان حازماً إلي درجة القسوة.
دخل الصلبييون مدينة دمياط في 6 يونيو 1249 دون قتال و حولوا المسجد إلي كنيسة و أقاموا بطريركاً فرنسياً للمدينة.
و كان شهر يونيو هو شهر فيضان النيل فآثر الملك لويس أن ينتظر حتي ينتهي الفيضان حتي لا يقع فيما وقعت فيه الحملة الخامسة.
عندما انتهي موسم الفيضان بدأ لويس زحفه إلي القاهرة ، و في تلك الأثناء مات السلطان الصالح ، فاخفت زوجته شجر الدر نبأ وفاته حتي لا يضعف الجنود المحاربين، و بعثت في استدعاء ابن زوجها توران شاه من حصن كيفا (بالشام) و في تلك الأثناء تولي بيبرس قيادة الجيش.
دخل الصليبيون بسفنهم في النيل و تصدت لها سفن المصريين و خسر الصليبيون 80 سفينة. و تلاحم الجيشان و بلغ القتال ذروته عند فارسكور حيث حلت هزيمة ساحقة بالصليبيين و أُسر ملكهم لويس التاسع سنة 648 هج/ 1250 م، و اقتادوه إلي دار الشيخ فخر الدين بن لقمان في المنصورة.
و تفاوض المنتصر و المنهزم، و فرض المسلمون شروطهم و هي جلاء الصليبيين عن دمياط و خروجهم من مصر و دفع دية باهظة من الذهب مقابل اطلاق سراح لويس و من معه من الأسري.
وافق لويس التاسع علي شروط التسليم و خرج الصليبيون أولاً من دمياط ، و بعد ذلك أطلق الظاهر بيبرس سراح الملك الأسير ، فاستقل سفينة اتجهت به إلي عكا التي كانت مع الصليبيين.
توران شاه و شجر الدر و نهاية الدولة الأيوبية
تولي توران شاه السلطة في نهاية 1250 م خلفاً لابيه بمساعدة زوج ابيه شجر الدر ، و لكن حكمه لم يدم أكثر من شهرين لاضطهاده لأمراء المماليك و شجر الدر فتآمروا جميعاً ضده و قتلوه.
نادي كبار رجال الدولة بشجر الدر سلطانة علي مصر عام 1250 م علي أن يكون المملوك عز الدين أيبك مقدماً للعسكر و بهاء الدين وزيراً لها. وكانت هذه المرة الأولي التي تتولي فيها أمرأة حكم مصر منذ أيام الفراعنة.
بلغت مدة حكمها 80 يوماً أظهرت فيها جدارة و كفاءة و حسن تدبير. إلا أن الخليفة العباسي لم يقبل أن تتولي حكم مصر امرأة و خاصةً أنها كانت جارية لدي الخليفة العباسي نفسه ، فارسل إلي زعماء المماليك يقول لهم : “إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فاعلمونا نسير لكم رجلاً “. فأضطرت شجر الدر إلي التنازل عن الحكم لعز الدين أيبك المملوكي و تزوجته.
و هكذا اسدل الستار علي الدولة الأيوبية في مصر التي دامت حوالي سبعين عاماً من 1171 حتي 1250 م
و من أعظم إنجازات هذه الدولة أنها ردت حملات الصليبيين علي المشرق و كسرت شوكتهم و أجلتهم عن كثير من الأقاليم المسلمة.
يقول المؤرخ البريطاني المعاصر سير ستيفن رونيسمان عن الحملات الصليبية التي شنتها أوروبا علي المشرق الإسلامي ” كانت الحملات الصليبية حلقة مأسوية هدامة (في سلسلة تفاعل العلاقة بين الشرق و الغرب)، فقد كان فيها كثير من الشجاعة و قليل من الشرف، كثير من التقوي و قليل من الفهم، فلطخت المثل العليا القسوة و الجشع، و التفاني و الجلد لوثهما الإحساس الذاتي الأعمي، و اختلط فيها السمو الأخلاقي بضيق الأفق”
جاءت الدولة الأيوبية لتنفض عن مصر ترهل و استرخاء الخلافة الفاطمية التي ما كانت لتستطيع أن تصد الحملات الصليبية. و لقد أخرجت هذه الدولة قائداً فذاً هو صلاح الدين الأيوبي الذي ظل مضرب الأمثال لكل الأجيال اللاحقة للقائد المسلم الشجاع في حلم و الجرئ في حكمة و الذي قاتل طوال حياته ليحرر الأرض المسلمة و الفرد المسلم من طغيان الاحتلال.
جاء صلاح الدين ثورة علي عصره الذي امتلأ بحكام و خلفاء يبيعون كل شئ من أجل أن يحتفظوا بسلطانهم و يتحالفون مع أعداء الأمة الإسلامية ضد بعضهم البعض .
و من أبرز معالم هذه الدولة أن مركز الخلافة الإسلامية انتقل إلي القاهرة و أصبحت مصر الولاية الحاكمة لباقي ولايات الخلافة العباسية في الشام و العراق و الحجاز و اليمن